مواقع التواصل الاجتماعي لديها كمًّا ضخمًا من بياناتي..لماذا أنا سعيد بذلك؟

ملحوظة: هذه المقالة فكرت في كتابتها منذ شهرين، وقد كتبت مسودة آنذاك وتركتها لعلني أضيف إليها، إلا أنني تحمست أكثر لإكمالها ونشرها بعدما قرأت مقالة طارق ناصر بعنوان على عكس الشائع، لماذا لا يجب عليك حذف شبكات التواصل الإجتماعي؟

بيد أنني سأركز على نقطة أكثر تحديدًا. يقول طارق في تدوينته حول أسباب ترك البعض لمواقع التواصل

“وقد تكون أسباب أخرى مثل أن وسائل التواصل تجمع معلومات عنا وتتجسس علينا وتعرفنا أكثر من زوجاتنا -رغم أنني أعزب- وكل تلك الأمور التي عندما نراها في وثائقي نشعر بالاندهاش ثم غدا نعود لحالتنا الطبيعية.

نعم هذه الحقيقة، من يهتم أصلا؟ نحن كأننا نقول لأنفسنا دعهم يتجسسون ما الذي سيستفيدون من شخص يتحدث مع صديقه عن حب الشباب الذي لم يرد أن يغادر وجهه؟ هل حياتنا مهمة لهذه الدرجة؟”

دعنا نركز على هذه النقطة فهي الأكثر خطورة للكثيرين: هل مواقع التواصل تجمع معلوماتك وتتجسس عليك حقًا؟

نظرة في سياسة بيانات فيسبوك

أعترف لكم: لقد كذبت!

حين أنشأت حسابًا هناك، كذبت على فيسبوك حين أخبرته أنني قرأت الشروط والأحكام وأوافق عليها، ولكن ما الجديد؟ الجميع كذب نفس الكذبة!

ولكنّي قررت منذ مدة قراءة سياسة بياناته لأول مرة لأرى إن كان يحصل منّا على بيانات خطيرة حقًا؟

ملحوظة: أتحدث هنا على فيسبوك بالتحديد، ولكن الأمر يسري مع أغلب مواقع التواصل.

بيانات يحصل عليها فيسبوك

✅ اسمك وتاريخ ميلادك ورقم هاتفك وبريدك الالكتروني وصورتك الشخصية (إن وضعتها)

✅ نوع هاتفك وقوة اشارة شبكة الانترنت ونوعها (واي فاي أم بيانات الهاتف)، بالإضافة لنوع المتصفح الذي تفتح منه

✅ بياناتك الموجودة في المواقع التابعة للشركة، كواتساب وانستجرام؛ إذ يستخدمها لتحسين وصول الاعلانات.

✅ المنشورات التي تتفاعل معها، وكم المدة التي تقضيها في قراءتها، كما يتتبع حركة الفأرة اثناء استخدامك للموقع.

بيانات خطيرة يحصل عليها فيسبوك (إن سمحت له)

✅ جهات اتصال هاتفك

✅ موقعك الجغرافي بدقة

✅ الدخول للكاميرا حين تفتحها من الموقع أو التطبيق

قد تقول: إنه أيضًا يفتح كاميرا هاتفي دون معرفتي أو دون أن افتحها أنا! ولكن هذا الكلام لا دليل عليه حتى الآن. حتى الأشخاص الذين كانوا يعملون في فيسبوك وتركوه لأسباب أخلاقية لم يشيروا لشئ كهذا.

نتسنتج مما سبق أن المعلومات الأكثر خطورة أنت مَن يحدد إن كنت ستسمح له بالحصول عليها أم لا.

ولكن بشكل عام، هل هناك خطر ما من حصول مواقع التواصل على تلك البيانات؟

لنضع في أذهاننا أنه ليس هناك شخص يقف وراء أجهزة فيسبوك ويراقب سلوكك، إنها مجرد خوارزميات آلية! بطريقة أوضح: لا أحد يراقبك حقًا.

ولنفترض أن هناك شخصًا من فريق عمل فيسبوك يتابعك وحدك (لأهميتك الشديدة وتأثيرك في العالم مثلًا) فما المانع؟ ما أكبر خطر قد يقع عليك؟

تذكَّر أن الأشخاص الأكثر شهرة عالميًا لديهم حسابات على تلك المواقع، ولو كان هناك ضرر ما لكان من الأولى أن يحدث لهم، ولكن حساباتهم موجودة منذ أكثر من عشر سنوات ولم يحدث لهم ضرر يذكر. وأتحدث هنا عن أشخاص مثل إيلون ماسك وكريستيانو رونالدو وغيرهم.

إذًا هل يجب أن تكون البيانات التي تحصل عليها وسائل التواصل منك سببًا لتركها كليًّا؟ في رأيي لا.

ولكنك السلعة!

” إن لم تدفع، اعلم أنك السلعة”

الاعتراض والخوف الأكبر لدى البعض هو أن الشركات تستفيد من تلك البيانات الموجودة لدى مواقع التواصل في إيصال اعلاناتها إليك. أو بطريقة أخرى: وسائل التواصل هي من تستغلها لتحقيق الأرباح، لتفيد نفسها وتفيد الشركات.

هذا فقط جزء من الصواب.

في الواقع، ليست الشركات الكبرى فقط مثل ماكدونالدز وكوكاكولا هي من تستفيد من ذلك، بل هناك فئات أخرى ومنها:

1. البائعين وأصحاب الأعمال الصغيرة: إنها تفيدهم في الوصول للجمهور المستهدف بدقة من خلال الإعلانات، مما يساعدهم في كسب قوت يومهم. بعض الأشخاص قليلي الدخل يكون التسويق عبر الشبكات الإجتماعية هو مصدر دخلهم الأكبر أو الوحيد.

2. المسوقين: بالطبع، دون تلك البيانات لكان التسويق أعقد بعشر أضعاف، ليجعل أغلب المسوقين دون عمل.

3. صناع المحتوى وأصحاب المواقع وقنوات اليوتيوب (وكل من يمتلك صفحات بشكل عام على الشبكات الاجتماعية) إذ تساعدهم في جلب زوار مستهدفين وعملاء محتملين.

لذا تريد أن تترك وسائل التواصل كليًا حتى لا تفيد أي من هؤلاء؟ يا لك من شرير!

ولكن كمستخدم عادي، هل أستفيد من ذلك؟

نعم، قد تكون المستفيد الأكبر.

لنأخذ الأمر من الجانب المعاكس: وسائل التواصل تفيد أصحاب الأعمال في الوصول للعملاء المحتملين (وهم بالطبع الأكثر اهتمامًا بمنتجاتها أو خدماتها)، ماذا يعني هذا بالنسبة لك؟ أنك حين تكون مهتمًا بشئ ما وتبحث عنه، فإنك ستجد غالبًا إعلانًا بشأنه، مما يزيح عنك عناء البحث.

إنه وبكل بساطة يُظهر لك الاعلانات التي يتوقع أنها ستفيدك. كم مرة احتجت شيئًا ما ثم وجدت إعلانًا يخصه على وسائل التواصل؟ بالنسبة لي، كثيرًا.

إذًا مِن ناحية المُعلِن: إنها تساعده بدقة في الوصول للعملاء الأكثر احتياجًا لمنتجاته أو خدماته. مع العلم أن هذا المُعلِن ليس فقط الشركات الكبرى، بل يمكن أن يكون شخص بسيط يريد كسب قوت يومه، أو صاحب عمل تجاري بسيط.

ومن ناحية المستخدم (أنا وأنت): يساعدك في استكشاف المزيد من المصادر التي توافق اهتماماتك، يمكن لتلك الاعلانات أن تساعدك في حلول لمشكلات تواجهها أو تعريفك بمنتجات/ خدمات/ مواقع/ أماكن يمكن أن تفيدك حاليًا أو في المستقبل القريب، خاصةً في مجال دراستك أو اهتمامك.

أنا سعيد بهذا الكم الضخم من معلوماتي على مواقع التواصل!

قد يثير هذا استعجابك، لم أسمع بأحد قط يقول ذلك! سأخبرك بالسبب.

خلال آخر سنتين، بدأت في تخصيص حسابي على فيسبوك للقراءة في مجالات محددة (فقط مجالين بحد أقصى)، لقد عرف فيسبوك منذ ذلك الحين المجالات التي أهتم بها بدقة، بناءً على ذلك، أخذ يُظهر لي إعلانات قريبة جدًا للمجالين الذيّن أتابعهما، أحيانًا كتب في نفس المجال، أحيانًا مواقع، أحيانًا كورسات ومنح ليست معروفة حتى الآن، لقد استفدت أشد الاستفادة مِن تلك الاعلانات، ومنها مَن فتح لي فرصًا جديدة.

منذ عدة أشهر سجلت في منحة مجانية مدتها ثمانية أشهر تقدمها وزارة الاتصالات المصرية، وقد استفدت منها كثيرًا. كيف عرفتها؟ مِن خلال فيسبوك؛ وقد عرضها لي بناءً على معلوماتي التي لديه. وإلى الآن مازالت تأتيني اعلانات عن مقالات ودورات تدريبية أحتاجها.

ماذا لو لا يعرف فيسبوك تلك البيانات؟ ستكون إعلانات لا فائدة لها، بعيدة كل البعد عن اهتماماتي، لن تفيدني ولا تفيد المُعلن، سيصبح فيسبوك مفسدة أكبر للوقت!

إحذر..لا تضل!

لا أقول أن وسائل التواصل الإجتماعي رائعة بل العكس

إن كنت تستخدمها للتسلية، ستشعر بالاكتئاب سريعًا.

إن كنت تعتبرها المصدر الأول للمعلومات، فأنت تضيّع وقتك.

إن كنت تتصفح دون هدف وتجعلها محور حياتك، فقد ضاع يومك بنجاح.

أما ما أقوله هو أنك لو كنت لا تستخدم تلك المواقع فلا بأس، أما لو مازلت تستخدمه فيمكنك تحويله إلى كنز للفرص الجديدة، فقط إن كنت:

1. تخصص حسابك للقراءة والانضمام لمجموعات/ صفحات/ حسابات مختصة في مجالات محددة (مجالين بحد أقصى، مجال دراستك/ عملك ومجال اهتمامك) وتحذف الصفحات الاخبارية والتافهة.

2. تدخل الموقع لهدف محدد بما لا يزيد عن نصف ساعة يوميًا.

3. تعتبر تلك المواقع مجرد “كوبري” لمعرفة مصادر خارجية جديدة تفيدك في مجالك.

فيمكن حينها أن تتحول وسائل التواصل من شيطان إلى كنز.


كنز إضافي: شاهدت بالأمس محادثة تيد حديثة بعنوان أسرار النجاح في العمل الحر، وذَكر المتحدث فيها طريقته لجلب العملاء له كفريلانسر. طبعًا نعلم أن مواقع التواصل تعرف اهتماماته وتُظهرها له عن طريق الإعلانات؛ فإن كان مهتمًا بالجرافيك مثلًا فستأتيه إعلانات من شركات الجرافيك، فماذا يفعل هو؟ كمصمم جرافيك، يراسلهم ويعرض عليهم العمل معهم، وبعضهم يوافق بالفعل!


الخطأ ليس في مواقع التواصل، مِن السهل لأي شخص تافه أن يقضي 6 ساعات يوميًا هناك ثم يقول أن مواقع التواصل هي السبب. كلا، لو لديه شئ أهم لم يكن ليدمنها لتلك الدرجة.

كنت قد ذكرت أيضًا في نهاية تدوينة تجربتي في الابتعاد عن مواقع التواصل 7 أيام الطريقة الأفضل لاستخدام مواقع التواصل دون أن تؤثر سلبًا عليك، وهي طريقة التحفيز المتدرج.

أما من ناحية البيانات، فلا أرى خطرًا على أي شخص عادي جراء ذلك، فقط افعل ما لديك من تأمين حسابك بكافة الطرق الممكنة وستكون ضمنت بنسبة كبيرة عدم اختراق حسابك من طرف خارجي.

وسيتبقى مصدر واحد لديه بيانات كثيرة عنك: خوادم مواقع التواصل، ولا بأس في ذلك.

مينا يسأل: ما أكبر ضرر قد يقع عليك نتيجة حصول مواقع التواصل الاجتماعي على بياناتك؟

3 أفكار على ”مواقع التواصل الاجتماعي لديها كمًّا ضخمًا من بياناتي..لماذا أنا سعيد بذلك؟

أضف تعليق