كيف يكتب نيكولاس كول 10 آلاف كلمة يوميًا (وكيف تفعل مثله)؟

إن كنت من القلائل الذين يكتبون 1000 كلمة يوميًا، فأنت شخص مثابر، منجز وعملي، ولكن لا تجعل ذلك مصدرًا لغرورك، فهناك من يكتب 10000 كلمة يوميا!

لقد وجدت بعض الكتاب الاجانب يدّعون ذلك، ومنهم كاتب يُدعى نيكولاس كول. لقد كتب مقالًا في ميديوم يوضح فيه كيف يفعل ذلك، في بداية المقالة يقول:

لا يصدقني الناس حينما أخبرهم أنني اكتب 10000 كلمة يوميًا.

في الواقع، لم أكن أصدقه أيضًا، لذا دعونا نأخذ نظرة في سيرته الذاتية، لقد وجدت أنه يكتب في ميديوم وكورا وهارفارد بيزنس ريفيو ونيويورك تايمز وفورتشن وبيزنس انسايدر وفوربس وعديد من المواقع الاخرى، بالاضافة لكتابته لخمسة كتب حتى الان وذلك بخلاف نشرته البريدية اليومية بخلاف شركته didital press المختصة بصناعة المحتوى، هذا طبعًا بالإضافة لِما ينشره في مواقع التواصل والايميلات التي يرد عليها. يقول الكاتب ان كتاباته حققت إجمالا ما يزيد عن 100 مليون قراءة، ابرزهم في كورا (33 مليونًا) ثم ميديوم. لذا تبدو احتمالية كتابته 10000 كلمة يوميًا منطقية إلى حد ما.

إن كنت تسمي نفسك كاتبا، فهذا العدد مصدر كافي للصدمة! فعند سؤال السيد جوجل عن متوسط عدد الكلمات التي يكتبها الكاتب في اليوم الواحد سيجيبنا: 1000 كلمة، وقد تصل أحيانا الى 2000 (كما كان يفعل ستيفن كينج مثلا). ولكن هل تبدو كتابة 10000 كلمة يوميًا أمرًا ممكنًا؟ يقول نيكولاس أنه ليس ممكنا فحسب، بل يكمل:

يمكنني القول بصراحة انه حتى 10000 كلمة في اليوم هو معدل منخفض!

قلت: ربما لديه يد إضافية، أو يكتب بيديه وقدميه معًا؟ ولكن يبدو أن هذا الافتراض خاطئ.

كي لا أطيل، سأوضح هنا كيف يكتب 10000 كلمة يوميًا بعشرة أصابع فقط. هذه المقالة مبنية على مقالته في موقع ميديوم وسأختصرها بقدر الامكان.

بادئ ذي بدء، يقسم نيكولاس يومه لثلاثة أجزاء: الصباح وما بعد الظهيرة والمساء.

الصباح: 3500 كلمة

حين نظر لمعدلات نشاطه اليومي، اكتشف أنه يكون أكثر نشاطًا في الفترة بين السابعة والحادية عشر صباحًا، ونفس الأمر مساءً، وهنا الخطوة الأولى: لعدة أيام، سجل معدلات نشاطك وتركيزك كل ساعة، لتعرف في أي ساعات بالضبط تصبح أكثر انتاجية.

يبدأ يومه كأي شخص بالافطار وغسل اسنانه ثم يبدأ العمل من الساعة السابعة، هدفه في هذه الفترة هو أن يكتب 3 مقالات من 800 كلما لكل منهم، ماذا يفعل ليستطيع فعل ذلك بتركيز؟ الأمر بديهي، انه يطفئ هاتفه قبل أي شئ اخر، فلا يمكنك كتابة هذا الكم يوميًا الا حينما تكون في حالة التدفق، وكلما ابتعدت عن التدفق، ازداد الوقت المستغرق في كتابة المقالة الواحدة. المقالة الواحدة تستغرق منه 17 دقيقة ان كان يعرف ما يكتب عنه جيدًا (أي لا يحتاج للبحث)، وان كانت مقالة فيها الكثير من التفاصيل والتعقيدات، فتستغرق منه حوال ساعة ونصف.

الاستراحة

الصفاء الذهني عند نيكولاس هو سر الانتاجية ككاتب، حينما تنتهي الجلسة فهي قد انتهت بالفعل، عقليًا وجسديًا. في فترة الاستراحة، لا يستخدم الهاتف أو أي شئ، انه يتقبل الملل ويبقى دون فعل أي شئ، يمكنه أن يحدق قليلًا في الحائط أو يمارس التأمل، المهم أن يصفي ذهنه بقدر الامكان. الى أن تأتي الجولة الثانية.

ما بعد الظهيرة: 2500 كلمة

رغم أنه يكون أكثر ارهاقًا في ذلك الوقت، الا أنه يكتب 2500 كلمة، وهنا يستخدم حيلة وهي الأهم في هذه المقالة في رأيي: سواء كنت تقرأ أو تكتب، ركز على أسلوب واحد ومجال واحد، فان قرأت في نفس اليوم مقالة أدبية ثم علمية ثم تقنية، سيشوّش هذا ذهنك وستصبح أقل قدرة على الكتابة بوضوح. القراءة في مجالات متنوعة في اليوم ذاته هي أكثر ما يبعدك عن حالة التدفق. لذا جرب أن تقرأ في مجال واحد -والأفضل في موضوع واحد- في اليوم الواحد، وستلاحظ انه عند كتابتك في هذا الموضوع ستجد كتابتك أسرع وأكثر وضوحًا، كما سيمكنك كتابة الاف الكلمات بشكل أسهل.

نستنتج حتى الآن أن السر الأهم في كتابة عدد كبير من الكلمات يوميًا هو القدرة على التركيز وتوجيه الانتباه، هذه المهارة ليست سهلة في هذا العصر (خاصةً بالنسبة لمواليد 2000 وما بعدها الذين وجدوا الانترنت في طفولتهم) لذا تبقى هي المهارة من أهم المهارات التي ستمكنك من تحقيق أكبر قدر من النمو والانجاز في هذا العالم المشتت، وفي هذا السياق أدعوك لقراءة كتاب DEEP WORK للكاتب كال نيوبورت.

استراحة 2

نفس الأمر، عليك الاستراحة قدر ما تستطع، ثم اقرأ المزيد في مجالك حتى تتمكن من الكتابة في الجلسة الأخيرة

المساء: +4000 كلمة

لا جديد، يطفئ هاتفه وينخرط في الكتابة، يقول أنه يكتب في هذه الفترة (بين السابعة والحادية عشر مساءً) حوالي 3 مقالات كل منها يزيد عن 1000 كلمة، ثم يحرر بعض المقالات (يعمل كمحرر في احدى المواقع) ثم يرد على البريد الالكتروني.

كيف يفعلها باختصار؟

• التركيز في مجال واحد في اليوم الواحد وقت القراءة والكتابة (الابتعاد عن التشتت).

• الاسترخاء التام والهدوء العقلي وقت الاستراحة.

• ممارسة الرياضة (فهو لاعب كمال أجسام).

• اقتل الجزء الناقد بداخلك وقت الكتابة، انه يكتب بمجرد أن تأتي الكلمات في عقله، وغالبًا ما تكون جيدة.

• الروتين اليومي هو ما يضمن الاستمرارية.

تجربتي..أستطيع فعلها!

منذ عدة أيام، وبعد قراءتي لمقالته، قررت أن أدخل هذه التجربة: سأكتب 10000 كلمة غدًا حتى لو كانت غير قابلة للنشر. ولكن سرعان ما تنبهت إلى كونه يكتب منذ 13 عامًا وهو حاليًا بعمر الثلاثين، أما أنا، فعليك بإزالة 10 من كل منهما، وبالتالي خبرتي أقل. لذا فقد قررت جعلها 5000 كلمة فقط، مع محاولة جعلها قابلة للنشر.

كان ينتابني بعض الشك أحيانًا حول إمكانية فعل ذلك، ولكن كما تعلمون، لا يوجد مستحيل، ويمكنني فعل ذلك إن كانت لديّ إرادة كافية.

استيقظت في الثانية عشر ظهرًا، وهنا أكتشفت أن موعد الجلسة الأولى قد فاتني! ولكن لا بأس، سأعدّل عليها لتناسب نمط يومي.

الآن أصبحت جاهزًا للكتابة وفي منتهى الحماس، تمر ساعة والأخرى وأنا أكتب وأكتب إلى أن انتهى اليوم. قمت بفتح عداد الكلمات لأرى كم كلمة كتبتها في هذا اليوم الطويل لأجدها…162 كلمة! نعم، ألم أخبرك أنه لا يوجد مستحيل؟

قد تقول أن هذا عدد قليل، ولكن لننظر للجزء الممتلئ من الكوب: لقد حققت 3% من هدفي، وهو أمر عظيم لو تعلمون.

ما تعلمته هنا هو أنه مجرد أن تضع في عقلك أن تكتب هذا الكم المهول من الكلمات، فهذا وحده كافِ لجعلك في حالة ضغط عصبي لدرجة عدم قدرتك على كتابة شئ. كما أنه يجعلك تركز على عدد الكلمات التي تريد كتابتها بدلًا من التركيز على ما تريد كتابته، لذا فقد وجدت عقلي خالي الوفاض من الأفكار في ذاك اليوم.

وللأمانة، لم أنفذ الكثير من نصائحه، ولكن حتى لو فعلت، يبقى مجرد التفكير في كتابة 5 أو 10 الاف كلمة يوميًا أكثر استنزافًا لطاقتك من كتابة هذا العدد فعليًا.

لذا إن أردت كتابة عدد كبير من الكلمات يوميًا، ركز على الموضوع الذي تريد الكتابة فيه بدلًا من التركيز على عدد الكلمات، وستجد نفسك قد كتبت الكثير دون أن تلاحظ. أيضًا لا يمكنك كتابة 5000 كلمة يوميًا بقفزة واحدة، بل تحتاج لسنوات من الخبرة ليمكنك فعل ذلك، هكذا يسير الأمر.

رغم ذلك، ما زلت أفكر في تكرار التجربة بشكل أكثر تنظيمًا. لا أسعى لفعلها يوميًا بل مرة كل عدة أشهر.

الصفحات: صفحة 1, صفحة 2