مجتمع كورا: هل يستحق المشاركة فيه؟

نشطتُّ في النسخة العربية من كورا منذ الأيام الأولى من اطلاقه رسميًا، وكان الدافع الأول لذلك هو أنني – قبلها بشهور وسنوات-  كنت كلما أبحث عن سؤال بالانجليزية أجد quora يتصدر بعض منها (وبعضها أسئلة لم أجد وجودًا لها إلا في quora)، وبالفعل قد استفدت منه ووجدت فيه بعض الخبراء ورواد الفضاء ورواد الأعمال، بل وحتى رؤساء بلاد وسياسيين، هذا ما جعلني أشعر أنه موقع للصفوة، وأن ليس أي شخص يمكن أن يكتب فيه.

مع افتتاح النسخة العربية وتحديدًا في الشهور الأولى، ظلّت هذه الفكرة موجودة وتتأكد: هناك الكثير من الأشخاص لديهم خبرة وأضافوا لنا الكثير.

ولكن بمرور الوقت، يبتعد هؤلاء شيئًا فشئ؛ فبعضهم ابتعد تمامًا، وبعضهم ينشط على فترات متباعدة، وربما بعضهم ليس لديه المزيد ليضيفه وأن أفضل ما لديه قد كتبه بالفعل. وهذا ما جعل تصفح الموقع أقل فائدة.

وقد تزايدت في الأيام الأخيرة الأصوات القائلة أن كورا قد انحدر مستواه ومنهم أستاذ محمود عبدربه، ومَن قال أن كورا قد يسبب اكتئاب ومنهم المدوِّنة ولاء عبد الرحمن التي حذفت حسابها مؤخرًا (بل حسابين)، ومَن قال أنه أصبح أكثر مللًا ومنهم منير بوجادي، والكثير من الإعتراضات الأخرى، وفي هذا المقال سأوضح الأسباب التي تشجعك على المشاركة هناك، والأسباب الأخرى التي تجعل من الأفضل مغادرته أو على الأقل تقليل استخدامه، والقرار قرارك.

أسباب تجعلك تشارك في كورا

1. ستفيد

سبب بسيط ومنطقي وإنساني. يزداد زوار الموقع شهرًا بعض شهر، كما تزداد سيطرة كورا على نتائج محركات البحث، ومن المرجح أن اجابتك لن تفيد شخصًا واحدًا أو اثنين، ولا ألف أو ألفين، بل ربما أكثر من ذلك ولعدة سنوات قادمة.

2. ستستفيد..ولكن بطرق أخرى

بخلاف الاجابات التي تراها هناك، فإنك لو كنت معروفًا بما يكفي وطرحت سؤالًا وطلبت اجابة من أحدهم، تزداد احتمالية الاجابة عليها بشكل كبير؛ لأن الإنسان بطبعه يحب رد الجميل، وإن كنت قد أفدته سابقًا فإنه سيحاول إفادتك بقدر إستطاعته حينما تسأله.

كذلك قد تجد اجابة ذهبية محشورة بين الاجابات، بالنسبة لي، اكتشفت مؤخرًا من إحدى الإجابات أنه يمكنني الاستفادة من الإيميل الجامعي والحصول على دومين مجاني (وأعتقد استضافة أيضًا) وباقي خدمات github، بالإضافة للحصول على بعض خدمات جوجل ومايكروسوفت المدفوعة مجانًا، وكذلك خصم 60% على النسخ الأصلية من منتجات Adobe. كل هذا لم أكن أنتبه له سابقًا وسيوفر عليّ فعلًا الكثير، لذا ستجد اجابات ذهبية في المنتصف قد توفر عليك الكثير (سواء وقت أو أموال أو غير ذلك).

3. تعزيز العلامة التجارية الشخصية (personal branding):

أعتقد أن كورا يقع في المرتبة الثانية بعد لينكد إن، بالنسبة لي، اكتشفت أنني أكثر انحيازًا لشراء منتجات/ خدمات الأشخاص الذين استفدت منهم في كورا. مثلًا حينما أصدر المهندس محمد حسام خضر -وهو من الأشخاص الذين استفدت منهم- كتاب “رائد الأعمال inside out” فإنني رغبت في شراء الكتاب بالفعل رغم عدم اهتمامي الشديد بموضوع الكتاب حينها (قد أنشر له مراجعة قريبًا)، وهناك العديد من الأمثلة الأخرى. لذا فهي آداة قوية لتعزيز علامتك التجارية الشخصية.

4. التدريب على الكتابة (تحسين أسلوب كتابتك):

كانت ستصبح هذه النقطة أكثر صوابًا لو كانت ميزة إقتراح التعديلات مازالت موجودة، ولكن للأسف قام الموقع بإلغاءها. على كل، مازال كورا من الطرق الممتازة للتدرب على الكتابة قبل محاولة نشر مقال في أي موقع.

5. تسلية معرفية

كورا -كجميع مواقع التواصل- يهمه إمتاعك لتقضي فيه وقتًا أطول، وبالفعل قد يمتعك وقد تجد اجابات طريفة فيه، وكذلك ستجد بعض الاجابات المفيدة، لذا فهي معرفة بمتعة. هذه الميزة ستفيد الأشخاص الذين لا يحبون القراءة لأنها -برأيهم- مملة. لذا سيكون كورا خيارًا مناسبًا لهم للحصول على بعض المعرفة بملل أقل.

6. إدارة متعاونة

أحيانًا أواجه مشكلات أو اخطاء في الموقع، ولكن لا أتذكر أن مدير المجتمع “محمد اللبان” قد خذلني أو خذل أحد، فهو شخص متعاون. وكذلك إشراف كورا، فحتى إن حذفوا إجابة بالخطأ فإنهم في العادة يتداركون خطأهم ويصلحونه.

أسباب تجعلك تبتعد عن كورا

1. التشتت المعرفي (لن تستفيد كما تتوقع)

حينما تفتح حسابًا في الموقع لأول مرة، ستجده يُظهر لك – متعمدًا– إجابات لأشخاص يمدحون في كورا وكيف أن أعضائه مثقفين وأفضل من “روبيضة” الفيسبوك..إلخ، مما يجعلك تتوقع أن حياتك ستتغيّر جذريًا حينما تستخدمه! وقد وجدتُ سؤالًا يقول صاحبه أنه أدمن كورا خوفًا من أن يفوّت إجابة قد تغير حياته.

حسنًا، صحيح أنني قلتُ في الأعلى أنك قد تجد إجابات ذهبية، إلا إن تصفح الصفحة الرئيسية للموقع سيصيبك بالتشتت (خاصةً إن كنت مهتمًا بعدة مجالات)، كما أن الذكاء الإصطناعي فيه ليس ذكيًا بدرجة كافية، مما يجعلك تجد في الواجهة اجابات حول موضوعات لستَ مهتمًا بها، أي قد لا تجد الاجابات الأفضل –بالنسبة لك– إلا بعد التمرير لفترة طويلة، مما يضيّع وقتًا أكثر من اللازم.

ولحل هذه النقطة، كنت قد اقترحت سابقًا الدخول على موضوع محدد بدلًا من تصفح الصفحة الرئيسية لفترة طويلة، أي يلزم أن يكون لك هدفًا للدخول أولًا بدلًا من التصفح بعشوائية.

2. التفاخر والمثالية

ليست مرة واحدة أجد فيها أحدهم يقول أنه قد أُصيب بسوء المزاج أو الاكتئاب بسبب بعض الاجابات المثالية الموجودة فيه (والتي ازدادت الآونة الأخيرة).

ويقول أستاذ “سلام شمس” في إجابة له:

في حالات كثيرة يمكن القول ان كورا منصة الفاشلين في الواقع يلجؤون اليها لتحقيق نجاحات خيالية .. واحيانا تكون منصة المتعبين نفسيا واجتماعيا.
وربما هذا يتحقق في منصات التواصل الاجتماعي الاخرى .. لكني اعتقد ان رواد كورا هم اكثر فشلا في الواقع من جماعة الفيس بوك ووسائل التواصل الاجتماعي الاخرى. ذلك ان رواد كورا يحبون العلم والمعرفة بدرجة شديدة وهذه علامة فشل في الواقع.

إجابة قاسية. رغم اختلافي معه في بعض النقاط، ولكن فحوى الإجابة هو أن الأشخاص الذين لم يحققوا انجازًا في الواقع هم أكثر مَن يدمن كورا، ويحاولون تعويض هذا النقص بكتابة شئ يُشعرهم بعلو شأنهم، فيحاولون أن يظهروا كأشخاص مثاليين (وعادةً يكتبون في تطوير الذات ونمط حياتهم)، وهذا يؤدي للنقطة القادمة.

3. فخ الإنجاز الوهمي

وقعتُ في هذا الفخ خلال الأشهر الأولى تحديدًا، حينما تكتب اجابة تصل لما يزيد عن ألفي شخص في نفس اليوم، ثم بعد فترة تجدها تجاوزت العشرين ألفًا ثم الخمسين ألفًا، وتُمطر عليك بالتأييدات والمشاركات، فترغب بتكرار نفس الأمر، فتكتب المزيد والمزيد، فيُنسيك ذلك الأشياء الأهم التي قد خططت لها، أو يُشعرك هذا الدعم أنك أصبحت خبيرًا وأنت في الواقع لست كذلك (أقصد أنا طبعًا وليس أنت)، ويقلل من رغبتك في الانجاز الحقيقي (فطالما مجرد اجابة تعطيك شعورًا بأهمية ذاتك، فهذا –بمنطق عقلية القرد– أفضل من تحقيق إنجازًا حقيقيًا يحتاج لمجهود أكبر!).

4. المتخصصون قلائل، وينشطون قليلًا

قد يؤكد هذا كلام “سلام شمس” بالأعلى؛ فالمتخصصون لديهم ما هو أهم من تصفح كورا مما يجعلهم أقل نشاطًا من باقي الأشخاص (وهذا يقلل من جودة الموقع بمرور الوقت).

5. مسوقون أغبياء

اكتب في مربع بحث يوتيوب: “كورا” وشاهد ما سيظهر لك: إنه التسويق على كورا، طبعًا لا بأس في ذلك تمامًا، ولكن كيف يكون التسويق لديهم والحصول على ترافيك؟ إنه أسلوب إنسخ جزء من المقالة والصق ثم ضع رابط موقعك، أو الأقبح من ذلك: ابحث عن السؤال المناسب ثم ضع رابط موقعك مباشرةً. هذا ما جعلنا نرى الكثير من الاجابات غير مفيدة، فالكثير منهم يدخل وغرضه الأول –بل الأوحد– هو التسويق لموقعه، وأحيانًا روابط الأفلييت (وهي ممنوعة بالمناسبة، يتم حذفها إن تم الإبلاغ عنها).

6. الترِند

الكثير من الناس تركوا مواقع التواصل ليتخلصوا من سيطرة الترِند، فوجدوه ينتظرهم في كورا، رفقًا بنا!

7. يمكن اختراق الموقع؟

توصلتُ بالصدفة لخبر من 2018 يقول أن كورا تعرض للإختراق وانتهاك للبيانات من طرف هوية مجهولة (وتشمل تلك البيانات: البريد الالكتروني وكلمات المرور وعناوين IP وجهات الاتصال وغيرها)، تم تدارك الأمر، ولكن علينا كمستخدمين أن نضع في حسباننا إحتمالية حدوث ذلك مستقبلًا. تخيل أن تكتب مئات الإجابات ثم يتم حذف كل ذلك؟ بالإضافة إلى أن الموقع لا يسمح ل wayback machine بالزحف إليه، أي أنك مهما حاولت الحصول على نسخة من أي اجابة بعد حذفها فلن تستطيع. لا أريد المبالغة، ولكن علينا أن نأخذ نسخ احتياطية مما كتبناه هناك كنوع من الإحتياط.

هناك عيوب أخرى ومنها تكرار الأسئلة إلى حد الملل بصيغ مختلفة، وزيادة “العراكات” في التعليقات ولكن نكتفي بهذا القدر.

علامات الخطر!

_ إن كان أول ما تفعله في يومك هو فتح كورا

_ إن كنت تفتح كورا لمدة تزيد عن ساعة يوميًا

_ إن كان كورا يُلهيك عن مهامك الأساسية (بل أن تصفحه أو الكتابة فيه أصبح مهمتك الأساسية)

_ وإن كنت تظن أن حياتك ستتغير عندما تتصفح كورا

فأنت في خطر!

بإختصار، متى سيفيدني تصفح كورا؟

1. إن كان تصفح كورا بالنسبة لك هو تسلية معرفية وليس مصدرًا أساسيًا للحصول على المعلومات.

2. إن كان لديك هدف من تصفحه (مثلًا تريد أن تبحث عن سؤال محدد أو تسأله لمتخصص، أو تريد تصفح موضوع محدد)، وليس تصفحًا عشوائيًا.

بإختصار، متى ستفيدني “المشاركة” في كورا؟

1. إن كان غرضك تعزيز العلامة التجارية الشخصية: كما ذكرت بالأعلى، فهي طريقة قوية، وعلى الأقل ستضمن أن محتواك سيظل يظهر حتى بعد مرور سنوات (وليس كفيسبوك أو تويتر مثلًا).

2. الحصول على زيارات لموقعك بجودة عالية: وأقصد هنا بطريقة “إفادة حقيقية ثم وضع رابط للإستزادة”. ومن تجربتي البسيطة، وبالإعتماد على google analytics، وجدت أن زوار كورا هم الأكثر جودة بمعدل 3 أضعاف تقريبًا مقارنةً بزوار فيسبوك (من حيث مدة البقاء في الموقع، وهذا يعكس مدى إهتمامهم)، لذا فهو موقع ممتاز للحصول على زيارات، وهو مجاني أيضًا.

هذه فقط هي الأسباب النفعية، بخلاف الأسباب المذكورة في بداية المقال.

خاتمة

ربما توقعنا المبالغ فيه للإستفادة هو ما جعل الكثير منّا ينقلب على كورا فجأة. كورا لن يغير حياتك، والبقاء عليه أكثر من 30 دقيقة يوميًا ليس استغلالًا للوقت.

هناك بعض السلبيات التي يمكن تلافيها من خلال الإبلاغ عنها. إن وجدت إجابة تخالف شروط الموقع، فقم بالإبلاغ عنها، وسيتم حذفها بنسبة كبيرة.

ولكن بشكل عام، تصفُّح كورا وحده لن يغيّر حياتك…تصفُّح كورا لن يغير حياتك، صدقني لن يغيرها.

15 فكرة على ”مجتمع كورا: هل يستحق المشاركة فيه؟

  1. أصدق جملة قرأتها “تصفح كورا لن يغير حياتك” طبعا لن يفعل ذلك.
    مؤخرا صارت عندي رغبة قلييلة جدا في تصفح الموقع وحتى في كتابة الإجابات، لا أعلم بالضبط السبب أين ولكن ما أعلمه أن الوقت الذي كنت أمنحه للموقع أستغله في أمور أخرى.
    شكراً جزيلا مينا على المقال الرائع.

    Liked by 2 people

    1. “ما أعلمه أن الوقت الذي كنت أمنحه للموقع أستغله في أمور أخرى”

      ذكرّتيني بالعام الماضي حينما توقفت عن المشاركة فيه لمدة أسبوعين، لأكتشف أنني حققت فيه تقدمًا في البرمجة وتحديدًا html و css (لست مبرمجًا في الأصل)، ولكن بمجرد أن عدت لكورا، اتخذتُ الكتابة فيه كهواية وتناسيت باقي الأولويات. الآن أصعب سؤال أسأله لنفسي: ماذا لو استمررت طوال هذه الفترة في التعلُّم والقراءة المتخصصة بدلًا من استهلاك هذا الوقت في محاولة الحصول التقدير الناتج عن اجاباتي هناك؟

      عمومًا لم أندم على المشاركة هناك لطالما أن محتواي يفيد الكثير (حسبما يقولوا)، ولكن تنبهتُ الآن أنه من المهم ترتيب الأولويات بمعزل عن تأثير الدوبامين أو أي تأثيرات عاطفية أخرى تجذبنا للموقع، ليصبح كورا مجرد “سناكس” أو تسلية معرفية وليس أكثر.

      تشرّفتُ بمرورك ^_^

      Liked by 4 people

  2. مقالة جميلة ومفيدة للغاية.. دون مبالغة لقد كفيتَ ووفيت.
    كورا جميلة الذي أفسدها مؤخراً هم الجُدد الذين عاثوا فيها فساداً!
    شكراً على وقتك وجهدك لإخراج مقالة بهذا الشكل اللائق جداً لمحتواك.
    من باب الطمأنينة؛ كيف أبليتَ في إمتحاناتك؟

    Liked by 2 people

    1. يا هلا، شكرًا لتعليقك، لاحظت أنكِ قللتِ استخدامك له الفترة الأخيرة، آراها خطوة جيدة (ولكن لمَ التوقف عن التدوين؟🤔).
      كيف أبليتُ في امتحاناتي؟ بلاءً حسنًا في 5 من أصل 6، وقد ساعدنتي حقًا تجربة الانقطاع عن كورا وغيره في زيادة تركيزي ووقتي (اليوم ليس قصيرًا كما كنت أظن!). أشجعكِ على تجربتها.

      Liked by 2 people

      1. كورا والتدوين هنا أصبح الأمر صعباً بعض الشيء لظروف صحية وأخرىٰ دراسية.. إنها ثالثة ثانوي 😃
        سعيدة أنك تجاوزت فترة الإمتحانات على خير، تجربتك هاته سأخوضها قريباً، شكراً لتشجيعك لي⁦♡.⁦

        Liked by 3 people

  3. مقالك الرائع جاء في الوقت المناسب, في الحقيقة صرت اقضي الكثير من الوقت مؤخرا على Quora بحثا عن الفئة المستهدفة الحقيقية و الملائمة لمدونتي الشخصية/ المتخصصة https://khei-bra.com/ar/ و لكني وجدت نفسي أتابع مواضيع في تخصصات شتى و أقضي بعض الوقت في الإجابة عن مواضيع لا تهمني في حياتي الشخصية. شكرا لك

    Liked by 1 person

أضف تعليق