لا تنتظر تصفيقًا من أحد..

تشجيع الناس لنا يخدعنا؛ حينما تتخذ الخطوة الأولى في فعل شئ ما وتنشره فتجد الإطراء والتشجيع من بعض الأشخاص..يُمتعك هذا ويحفزك فتفعل المزيد والمزيد، وبمرور الوقت، تستمر الإطراءات ولكنك لا تشعر بنفس اللذة التي كنت تشعر بها من قبل، إلى أن يُبطل مفعول تلك الاطراءات بالنسبة لك..فتتوقف..لتكتشف في النهاية أنك كنت تفعل هذا الشئ ليس لأنك تحبه أو لأنك تجيده، ولكن لتحصل على الاطراءات وترضي غرورك..

أتحدث هنا عن الكتابة..وعنّي، حين بدأت الكتابة في كورا-كوسيلة لتمرين عضلة الكتابة قبل الارتقاء قليلًا- حققت اجاباتي انتشارًا كبيرًا، ويتبقى لها شهرين من الآن حتى تصل للمليون قراءة. كانت تلك التأييدات هي ما تحفزني لكتابة المزيد والمزيد، ولكن فور أن بطُل مفعول التأييدات والتعليقات المشجعة، قلت رغبتي في الكتابة، لأكتشف تقريبًا أن ما أكتبه كان لغرض إرضاء الناس وإشباع الأنا الخاصة بي، وليس لحبي الكتابة؟

الغرور هو العدو

يذكر ريان هوليدان في كتاب “ego is the enemy” قصة الكاتبة أيميلي جولد التي وقعّت عقدًا بمليون دولار لكتابة كتاب، ولكن تأخر عملها لمدة عامين تقريبًا، فلماذا تأخرت؟ لقد وجدت أن كتابتها تدوينات على موقع “تمبلر” ونشرها تغريدات على تويتر يحقق لها امتاعًا أكبر في وقت أسرع ويرضي غرورها دون بذل الكثير من المجهود، وبذلك قد ضيّعت فرصة تحقيق مكانة أعلى ككاتبة.

لقد تحولت رغبتها في كتابة شئ ذي قيمة إلى الرغبة في الحصول على الاعجاب، وهذا أسوأ ما في مواقع التواصل..وربما حتى المواقع والمدونات الشخصية.

وقد لاحظتُ أن الكاتب أحمد حسن مشرف لا توجد في مدونته خانة التعليقات وهو ما أثار استعجابي، أليس من الأفضل أن يتركها موجودة لتصبح دافعًا له للاستمرار على الأقل؟ يجيبني مشرف:

“إن كان يهمك رأي الآخرين تجاه ما تكتب، أقترح عليك أن تستشير أشخاص مختارين بعناية بعد الانتهاء من مشروع كبير (ككتابة كتاب مثلاً) وليس بعد الانتهاء من مقالة أو محتوى صغير أو قصة قصيرة، لأن مهمة الكاتب الأولى هي الكتابة، وليس إرضاء الآخرين من خلال الكتابة”

ولأكمل: والحرص على إرضاء الآخرين يقلل من جودة كتابتك؛ فالكتابة الجيدة تنبع من الاهتمام بالأفكار وليس الاهتمام بالحصول على اعجاب الآخرين. وفي حين أننا نتظاهر أننا لا نهتم، فقد يكون الواقع عكس ذلك!

ولكن ألن تزيد الاعجابات من حافزك؟

كما قُلت، هذه الاعجابات ستفقد لذتها بمرور الوقت، وإن كان اعتمادي عليها فهي مسألة وقت قبل أن أتوقف.

يمكن تلخيص المقالة في نقطتين:

1. يمكنك أن تفعل أي شئ تقريبًا تحت تأثير التشجيع الخارجي، ولكن لن تعرف إن كنت تحب فعل هذا الشئ حقًا إلا حينما تفعله لفترة من الوقت دون الحصول على أي شئ ( الحصول على التقدير، الأموال). فالفائدة الوحيدة من التشجيع هي المساهمة في إخراجك من حالة الفتور التي تصيبك كل عدة أشهر، وليس أن تحصل عليه كل خطوة صغيرة (مقالة، تصميم، أكلة..إلخ).

2. إن كنت تنتظر التشجيع أو التقدير على كل خطوة وتحصل عليه فعلًا، وإن كان هذا أهم ما يدفعك للاستمرار، ففكر مرة أخرى: ماذا لو توقفوا عن دعمك لأي سبب؟ وماذا لو قلّت لذة التشجيع بمرور الوقت..هل ستتوقف؟ لا يمكنك معرفة ذلك إلا حينما تجرّب.

ولذلك سأستغل شهر مارس بالكامل في الابتعاد عن التدوين هنا أو فتح أي من مواقع التواصل الاجتماعي، ولن أنشر أي كلمة على الانترنت طوال الشهر أو انتظر أي تقدير أو تشجيع. أحتاج حقًا للابتعاد عن تشويش الاعجابات والتأييدات. صحيح أن كل إعجاب يأتيني يحفزني، ولكنه يقلل تركيزي ويشوّش أفكاري. وصحيح أن كل تقدير نحصل عليه يحفزنا، ولكن انتظاره يحبطنا.

وربما-كجزء من التجربة- أفكر في الكتابة في موقع لا يحتوي على خانة التعليقات أو الاعجابات، ولنرى إن كان أفضل فعلًا أم لا. هل سيساعدني ذلك على التركيز..هل سيجعلني أكتب أفضل وأكثر؟ لا أعلم.. ولكن الأمر يستحق التجربة.

ما رأيك، هل ترى أنه يمكنك الاستمرار في فعل شئ لمدة شهر أو أكثر دون تشجيع؟ هل ترى أن عدم الحصول على تشجيع هذه المدة يزيد من جودة العمل (أيًا كان) أم يقلل منه؟

11 فكرة على ”لا تنتظر تصفيقًا من أحد..

  1. موضوع مهم، ومثير للإهتمام!
    شكراً مينا على تدوينتك الجميلة ⁦♡
    الفكرة في الهدف!.. أن كان هدفك إرضاء غيرك أو إرضاءك انت.. نفسيتك وداخلك.
    بالنسبة لك: أرى أن تستمر بالكتابة في مدونتك مع إقفال خاصية التعليقات كما فعل المعتصم..
    وإن كنت تود ايقاف الإعجابات فأقول أن تتوقف عن الكتابة هنا ⁦ಠ︵ಠ⁩
    بالنسبة لي أنا كائن عادي جداً؛ لهذا جزء مني يكتب لأجل الغير.. لأجل إفادة أحدهم ولو بإبتسامة عابرة، إذا إرضاء غروري بمساعدة احدهم خاصة في كورا 😅.
    ماذا قررت لتفعل؟!

    Liked by 1 person

    1. شكرًا ريمة🙏

      “الفكرة في الهدف”

      الفكرة هنا هو أنكِ لن تعرفي إن كان هدفك فعلًا إرضاء غيرك أو إرضاء نفسك إلا بتجربة عدم الحصول على أحدهما. بكل تأكيد كل شخص سيلعب دور المنقذ ويقول أنا أكتب لأجل افادة الغير أو لوجه الله، ولكن هل لو كتب شيئًا ولم يحصل على أي تأييدات أو اعجابات سيستمر أم يتوقف؟ هذا ما سيوضح رغبته الحقيقية فعلًا، ولهذا سأجرب، أعتقد أنها تجربة مهمة في كل المجالات وليس في الكتابة فقط.

      ماذا قررت لأفعل؟

      هناك نقطة لم أذكرها في التدوينة، وهي أنني سأبدأ الامتحانات من بعد غد حتى 18 مارس، لذا في كل الحالات سأتوقف حتى هذا التاريخ على الأقل ثم أحدد إن كنت سأكمل ال13 يومًا المتبقية من الشهر أم لا.

      وعمومًا توقفي عن النشر على الانترنت لا يعني أنني سأتوقف عن الكتابة، بل سأكتب ولكن لن أنشر حتى نهاية مارس، ربما يساعدني هذا في التركيز على المحتوى نفسه بدلًا من أي شئ آخر…ربما.

      ونتيجة التجربة ستقرر ماذا سأفعل فيما بعد😀

      Liked by 1 person

  2. والله هذا موضوع مهم جداً، ولا ننتبه له نحن أصحاب المدونات، علينا التوقف لفهم هذه الفكرة جيداً.
    ربما لنفس السبب نهانا الله عن الرياء والذي هو عدو العمل الصالح

    Liked by 1 person

    1. أنرت بصيرتي على نقطة مهمة أبو إياس. ربما تقودنا الرغبة في تلقي الدعم إلى الرياء دون أن نلاحظ. وهذه النقطة التي تحدث ريان هوليداي عن فكرة مشابهة لها في كتاب الأنا (الغرور) هو العدو (والذي أراه كتاب مهم جدًا لهذا العصر رغم بساطته، خصوصًا لصانعي المحتوى أو راغبي التأييد والشهرة على مواقع التواصل).

      فكان يتحدث عن فكرة أنه إما أن ترغب أن “تكون” شيئًا أو أن “تفعل” شيئًا، إن كان هدفك الأول أن تكون شيئًا (تحصل على دعم وشهرة) فعليك أن تنسى جودة وصدق ما تكتبه أو ما تصنعه، أي ستكسب الناس وتخسر نفسك.

      إما إن ركزت على أن “تفعل” شيئًا فوقتها ستركز على الفعل نفسه دونًا عن أي شئ آخر، فيُصبح العمل مُتقن، وسيلاحقك الدعم أيضًا ولكن على المدى الطويل.

      وربما هذا ما جعل الكثير من الكُتّاب ينعزلون تمامًا عن الناس حتى انهاء كتابهم، ليضمنوا الصدق والجودة.

      Liked by 1 person

  3. حقيقةً أسلوبك في فرد المواضيع مميز للغاية و مبسوط، و الموضوع يستدعي التفكير بالفعل، أتمنى لك النجاح و التوفيق في امتحاناتك، و عُد لنا مُحمَل بما تُبدع بفرده و نُحِبهُ.

    و في حين أن الغرور عدو حقيقي شرعًا و عُرفًا و ثقافة، فإنه يكسر الشخص مثلما أوضحت تمامًا، قد تخدعنا بعض الاعجابات و قد تحفزنا، و لكن الوضع أكثر أمانًا هنا، أقصد تدوينيًا، لأن من لا يحبه حقًا ستجده ينكص مسرعًا، ذلك لأنه شاق و يحتاج جهد كبير و اهتمام أكبر، بينما أستطيع أن أؤكد لك بأن ما يُبدِع به الانسان يبدأ في حُبه و لو لم يكن يحبه، و أنت ستعود لأنك مُبدع🌸😇

    Liked by 1 person

    1. من الرائع أن أقرأ هذا التعليق في هذا الوقت (يتبقى 20 دقيقة لإقلاع الرحلة⏫)
      النقطة الأخيرة مثيرة للاهتمام، وأتفق معكِ تمامًا، وربما من أهم أهداف التجربة هو أن أكتشف إن كان هناك علاقة فعلًا بين الإبداع واستخدام وسائل التواصل (وأنا أضع quora و وردبريس تحت فئة مواقع التواصل بما أنهم مصدر للدوبامين أيضًا، باختلاف الأهداف والجودة طبعًا)
      لذا فأتوقع أنها ستعود بفائدة كبيرة إن شاء الله (وإن لم تفيدني، فسأكون قد أستفدت بمعرفة أنها لن تفيدني😇)
      وبالتأكيد سأعود لسرد كافة التفاصيل والاستنتاجات بعد إتمام التجربة كما فعلت في تجربة الأسبوع في يناير.
      شكرًا أسماء لتعليقك الجميل🙏

      Liked by 1 person

      1. نتمنى لك رحلة موفق و مفيدة جدًا، كما أنها راحة لا تُنكَر من بعض التصلب و الالتزام، الراحة من الانترنت بشكل عام فعل شجاع أولًا، غني بالكثير ثانيًا، و أخيرًا ستكون العودة إليه أخرى و سيكون الطعم أكثر دِقة، في أمانِ الله 🛫

        Liked by 1 person

أضف تعليق